همسة في إذن القارئ ... مبروك علينا نجاح البرتقالة الدكتورة بلسم عبدالكريم هاني إن تقاليدنا هي المحرك لما يسري في مجتمعنا من مفاهيم تحكمه، وتتحكم بقوانينه التي نبعت أصلاً من عادات وتقاليد هذا المجتمع، حتى إذا اختلفت فقرة من فقراته مع تقاليدنا وعرفنا الاجتماعي هذا، تجد أن العرف هو الحاكم أولاً وآجرا.. لذلك حافظت مجتمعاتنا العربية، رغم الاحتلالات الأجنبية التي أصابتها على أخلاقياتها المعروفة منذ الأزل..ولكن بعد أن حلت العولمة بأوجهها المتعددة ضيفاً ثقيلاً على ديارنا،
بتنا نلمس بكل وضوح اضمحلال بعض هذه القيم والمفاهيم وتأثرها بالمستجدات.. إذ مررت أيادي العولمة بذكاء كل ما أرادته من مفاهيم، فاستقبلها المتلقي فرحاً ومستبشراً بكل ما فيها من صالح أو طالح على حد سواء.. مما يجعلنا نتساءل عما إذا كان بإمكان المجتمع بعد الآن التحكم بالمفاهيم التي يحب أو يكره انتشارها بين أبنائه.. لقد اقتحمت المفاهيم الغريبة حياتنا بواسطة الفضائيات والمحطات الخاصة التي يحكمها ذوق وأفكار ومعتقدات أصحابها ومموليها الذين انحصر تفكيرهم في المادة.. فتجدهم في غياب قانون يحكمهم أو يحد من انجرافهم في تيار الانحطاط، يتنافسون في كسر القوالب العربية، ويتفننون في العري والابتذال، دون أي اعتبار للحياء العام!! والحقيقة أن قنوات الأغاني قد فاقت في بحثها المستمر عن التجديد غيرها من القنوات في كسر القوالب السائدة وتحويلها إلى أطلال تبكي تأريخها المشرق.. وفي برتقالتنا الشهيرة أكر دليل على ذلك.. فبعد ما تركه الغناء العراقي وتراثه المتميز من بصمات تمثلت بمقامات ناظم الغزالي والقبنجي وحسين الأعظمي وقصائد وألحان كاظم الساهر، والتي حلقت بالعراقيين في سماء االطرب العربي، أطل علينا علاء سعد ببرتقالته تافهة الكلمات، قوية الإخراج، والتي أخرجها محمد الخطاب بطريقة شدت القاصي والداني لها حتى حظيت بما لم تحظ به أغنية من قبل، فلم يشهد تأريخ الفن التافه يوماً أغنية تبث ست مرات في الساعة، وتطلب بهذا الكم من الطلبات.. حتى تنافست الأقلام العراقية في التفاخر بها!! فهنيئاً لنا بهذه البرتقالة التي سرت في شوارعنا سريان النار في الهشيم، رغم التهديدات العنيفة لمروجيها من محال التسجيلات، أو سائقي الكيا والكوسترات.. وليت المشكلة وقفت عند هذه البرتقالة إذن لهان الأمر رغم قسوته ومرارته، ولكن هاهي برتقالة أخرى أغرتها البرتقالة الأولى فحاكتها بالرقص والسفاهات، ساحبةً ايانا إلى الحضيض، وليستر الله مما ستجود علينا به الأيام من علاوي الفواكه العامرة في العراق!!لقد شوهت البرتقالة صورة المرأة العراقية، وجعلت منها موضوعاً دسماً على صفحات المجلات.. لا بصورة فتياتها اللواتي عرفن منذ القدم برقصهن في مواقع خاصة بهن وبفنهن، ولكن بصورة البرتقالة التي نزلت إلى ساحة الرقص بمباركة والدها الشهم.. وهي صورة جديدة لا تمت بصلة لعاداتنا وتقاليدنا.. ولا لصورة العراقي الذي عرف بغيرته على مر العصور والأعوام.. فلنقل وداعاً لهذه الغيرة التي يتباهى بها رجالنا (إذا) ارتضوا لأنفسهم أن تكون هذه الصورة البشعة باكورة إطلالتنا على العالم.. وحسبنا الله ونعم الوكيل على صورة المرأة العراقية التي أعزها الله وجعل منها رجل البرتقالة الذي روجت له الأغنية سلعة في علاوي الفواكه والخضر